تمهيد:
تعد رواية" الحمار الذهبي" للوكيوس أبوليوس أو أفولاي أول نص روائي في تاريخ الإنسانية. وقد وصلتنا هذه الرواية كاملة، وهناك روايات قبلها لكنها وصلت ناقصة. ويعتبر هذا العمل الأدبي الإبداعي أيضا أول نص روائي فانطاستيكي في الأدب العالمي. ولا يمكن أن نتفق مع الذين ذهبوا إلى أن رواية "دونكيشوت" (1604م) لسرفانتيس - الكاتب الإسباني- أول نص روائي عالمي، أو مع الذين أثبتوا أن بداية الرواية قد انطلقت مع الرواية التاريخية الإنجليزية في القرن الثامن عشر (والتر سكوت، ودانيال ديفو، وفيلدينغ…). زد على ذلك أن رواية "الحمار الذهبي" هي المنطلق الحقيقي لظهور الرواية الأمازيغية في حين أن أعمال تيرينيس آفر تشكل البداية الفعلية للمسرح الأمازيغي في شمال أفريقيا . إذا، من هو أبوليوس؟ وما هويته؟ وما خصائص روايته "الحمار الذهبي" دلالة وصياغة ومقصدية وكتابة؟ وأين يتجلى تأثيرها على الأدب المغربي والعربي بصفة خاصة والأدب العالمي بصفة عامة؟ هذه هي الأسئلة التي سوف نرصدها في موضوعنا هذا.
1- هوية أبوليوس:
ولد أبوليوس أو أبولاي، أو أفولاي الأمازيغي في أوائل القرن الثاني حوالي 125 م وتوفي حوالي 170م إبان الامتداد المسيحي. وكان يعترف بثقافته الإفريقية وهويته الأمازيغية، إذ كان يقول:
"لم يتملكني في يوم من الأيام أي نوع من الشعور بالخجل من هويتي ومن وطني"، ويقول أيضا، بكل اعتزاز وافتخار: "أنا نصف كدالي ونصف نوميدي" . بيد أن ثمة باحثين أدرجوه ضمن الأدباء اللاتينيين، ونزعوا عنه الهوية الأمازيغية. ومن بين هؤلاء إميـل فاگيـه الذي أدرج أبوليوس ضمن اللاتين المقلدين للإغريق. وقال عنه "أما أبوليس في روايته "الحمار الذهبي"، فلا يعدو أن يكون روائيا هوائيا بالغ التعقيد شغوفا بكل شيء، وخاصة بالأشياء الفريدة في نوعها قويا مليا وصوفيا في ساعاته، وجماع القول: إنه مربك جدا" ، ومنهم كذلك الدكتور محمد غنيمي هلال عندما نص على تأثر القصة اللاتينية بالقصة اليونانية، وخير من يمثل هذا التأثر قصة "المسوخ" أو "الحمار الذهبي" التي ألفها أبوليس في النصف الثاني من القرن الثاني بعد الميلاد، ولها أصل يوناني مجهول للمؤلف د.
ولقد ذهب الباحث المغربي حميد لحميدانـي نفس المذهب عندما جرد أبوليوس من هويته الأمازيغية، وأدرجه ضمن الأدب الروماني القديم الذي كان يعتمد اللاتينية لغة، وقد أشار إلى أن "لوكسيوس" بطل رواية المسوخ للقصاص اللاتيني "أبوليوس" يفسر ذلك التحول الفانطاستيكي الذي يطرأ على الإنسان فيصير دون طبيعته الإنسانية بالاستسلام للغرائز الحيوانية الدنيا .
ونجد من الذين دافعوا عن أمازيغيته محمد شفيق الذي أدرجه الى جانب المسرحي تيرنيسي آفـر أو تيرنتيـوس آفر (185؟159 ق.م) ضمن أدباء الثقافة الأمازيغية في عهد الوثنية الذين تثاقفوا مع الأدب الإغريقي واللاتيني، ونجد محمد حندايـن الذي اتخذ من أفولاي مثالا للشخصية الأمازيغية القوية في الأدب العالمي القديم الذي تعلم كثيرا من اللغات وألف كتبا عديدة أشهرها روايته "الحمار الذهبي" التي أثر بواسطتها على الرواية العالمية القديمة، وأبهر الرومان والإغريق إلى درجة اتهامهم له بالسحر. ونفس الموقف سيتخذه الكاتب الليبي الدكتور علي فهمي خشيم حينما اعتبر أبوليوس كاتبا إفريقيا أمازيغيا وعروبيا، كان ينتقل بين الجزائر وقرطاج وليبيا، وعد "الحمار الذهبي" أول نص روائي عربي. ويذهب كذلك عباس الجـراري إلى أن التاريخ احتفظ بأسماء غير قليل من الأدباء والفلاسفة وعلماء الدين الذين تخرجوا في هذا التعليم من مختلف أقطار الشمال الإفريقي، وعبروا باللاتينية في الغالب لأنها كانت لغة الفاتح المستعمر، وليس لأن اللغة الوطنية كانت قاصرة كما ذهب إلى ذلك أندريه جوليـان. ويدرج المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليـان المتخصص في تاريخ أفريقيا الشمالية القديمة مبدعنا أبوليوس ضمن أدباء إفريقيا إذ قال "كان أبوليوس المولود حوالي سنة 125م من أشهر الكتاب الأفارقة" .
ويتبين لنا مما سبق، أن هوية أبوليوس جزائرية المولد، وأفريقية المنبت، وأمازيغية الأصل، ولكنها رومانية الجنسية، وإغريقية الثقافة والفكر، وشرقية المعتقد.
2- نشأة أبوليوس:
نشأ لوكيوس أبوليوس أو أبوليوس الماضوري في أسرة أرستقراطية في مدينة مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس سنة 125م. إذ كان أبوه أحد الحاكمين الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، وكان أبوليوس أشهر كتاب وشعراء هذا العهد.
لقد درس هذا الأديب الأمازيغي الأصل بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف، وكانت هذه المدينة الإفريقية عاصمة فكرية وسياسية في آن معا، ونبغ فيها هذا الأديب، وتخصص في المسرح ونبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في المسرح، وكان يقول لهم: "إني لا أرى في مدينتكم إلا رجالا كرعوا من مناهل الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، وتحلوا به شبانا ودرسوه شيوخا، إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتنا، وهي عروس الشعر في إفريقية، وهي أخيرا، ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة" . وقد تابع أبوليوس دراساته العليا في اليونان (أثينا) وإيطاليا وآسيا الصغرى، ولقد أعجب بالفلسفة السوفسطائية، والفلسفة الأفلاطونية المحدثة، والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية سعيدة .
وبعد عودته إلى بلده، اتهم هناك بممارسة السحر، فدافع عن نفسه بصلابة، وألف في الموضوع كتابا عنوانه: "في السحرMagicae." وسبب هذه التهمة أنه صادف أثناء إقامته في طرابلس أن وقع في مغامرة غريبة، "ذلك أنه ما أن تزوج من أم أحد أصدقائه، وكانت إلى ذلك الوقت ممتنعة امتناعا شديدا من التزوج ثانية، حتى اتهم بأنه سحرها، وقد أخذ أحد المحامين على نفسه، أن يقيم الدليل على أن يدافع عن نفسه دفاعا رائعا. لم يكن كله مقتنعا وأنحى على خصومه باللائمة، لأنهم خلطوا بين الفلسفة والسحر، وقد حرر خطابه بعد ذلك في صيغة إيجابية، فأصبح يعرف بالأبولوجيا .
ولم تعق هذه التهمة مسيرته الفكرية، إذ سرعان ما توجه إلى قرطاج لممارسة العلم وتلقين الدروس لطلبة الثقافة والأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه المدينة، والمحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها .
وعليه، فلقد نعت أبوليوس بمواصفات عدة، إذ كان غريب الأطوار وكثير المتناقضات فهو جدي وطائش ومتطير وشاك ومعجب بنفسه، وكان يدافع عن "المستضعفين" كثيرا.
3- مؤلفات أبوليوس:
كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، إذ نافس اللاتينيين والرومانيين واليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا ولاسيما في روايته الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، وبها وضعه تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين في كتابه ذاك الذي يسمى "التقمصات أو الحمار الذهبي، علاوة على كونه مسرحيا وشاعرا كبيرا خاصة في ديوانه (الأزاهير) ، وهو عبارة عن مقتطفات شعرية ألقاها في قرطاج وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور فهمي خشيم. ويضم هذا الديوان ثلاثا وعشرين قطعة من خطاباته تتفاوت طولا وقصرا، جمعها أحد المعجبين به "كباقة" جمعت أجمل زهور بلاغته، وكان يتبجح فيها بأنه يتقن الفنون على اختلافها، وكان يتوجه لمساعد القنصل في شيء من الخيلاء البريئة قائلا: "أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط، أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة، أو فيض الوجدان، لمرح الملهاة أو جلال المأساة، وكذلك لا أقصر لا في الهجاء ولا في الأحاجي ولا أعجز عن مختلف الروايات، والخطب يثني عليها البلغاء، والحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟ إني أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس ونفس الأسلوب" .
وقد أطلقت على روايته الغرائبية (الحمار الذهبي) تسميات عدة من بينها: المسوخ ، وقصة المسخ كما عند حميد لحمداني، أو "الحمار الذهبي" (أو التحولات) كما عند عمار الجلاصي، أو الحمار الذهبي فحسب كما لدى أبو العيد دودو، أو "تحولات الجحش الذهبي" كما عند فهمي علي خشيم. وأسميها – شخصيا- رواية "الحمار الوردي"، لأن كلمة الورد أو الوردي تتكرر مرارا في متن الرواية، إذ وصف لوكيوس بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله، ويفر كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه. وهناك من ترجم هذه الرواية عن اللاتينية كعمار جلاصي وأبو العيد دودو، وهناك من ترجمها عن الإنجليزية كعلي فهمي خشيم.
ومن كتبه الأخرى "دفاع صبراتة" الذي ترجمه الدكتور فهمي علي خشيم، و"في السحر"، وكتاب "شيطان سقراط" وهو عبارة عن كوميديا ساخرة تختلط فيها الفلسفة بالسخرية، وقد شرع الكاتب الليبي فهمي علي خشيم في ترجمته إلى اللغة العربية.
لقراءة المزيد عن هذه الرواية تصفح المصدر على الرابط التالى
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article8866
تعد رواية" الحمار الذهبي" للوكيوس أبوليوس أو أفولاي أول نص روائي في تاريخ الإنسانية. وقد وصلتنا هذه الرواية كاملة، وهناك روايات قبلها لكنها وصلت ناقصة. ويعتبر هذا العمل الأدبي الإبداعي أيضا أول نص روائي فانطاستيكي في الأدب العالمي. ولا يمكن أن نتفق مع الذين ذهبوا إلى أن رواية "دونكيشوت" (1604م) لسرفانتيس - الكاتب الإسباني- أول نص روائي عالمي، أو مع الذين أثبتوا أن بداية الرواية قد انطلقت مع الرواية التاريخية الإنجليزية في القرن الثامن عشر (والتر سكوت، ودانيال ديفو، وفيلدينغ…). زد على ذلك أن رواية "الحمار الذهبي" هي المنطلق الحقيقي لظهور الرواية الأمازيغية في حين أن أعمال تيرينيس آفر تشكل البداية الفعلية للمسرح الأمازيغي في شمال أفريقيا . إذا، من هو أبوليوس؟ وما هويته؟ وما خصائص روايته "الحمار الذهبي" دلالة وصياغة ومقصدية وكتابة؟ وأين يتجلى تأثيرها على الأدب المغربي والعربي بصفة خاصة والأدب العالمي بصفة عامة؟ هذه هي الأسئلة التي سوف نرصدها في موضوعنا هذا.
1- هوية أبوليوس:
ولد أبوليوس أو أبولاي، أو أفولاي الأمازيغي في أوائل القرن الثاني حوالي 125 م وتوفي حوالي 170م إبان الامتداد المسيحي. وكان يعترف بثقافته الإفريقية وهويته الأمازيغية، إذ كان يقول:
"لم يتملكني في يوم من الأيام أي نوع من الشعور بالخجل من هويتي ومن وطني"، ويقول أيضا، بكل اعتزاز وافتخار: "أنا نصف كدالي ونصف نوميدي" . بيد أن ثمة باحثين أدرجوه ضمن الأدباء اللاتينيين، ونزعوا عنه الهوية الأمازيغية. ومن بين هؤلاء إميـل فاگيـه الذي أدرج أبوليوس ضمن اللاتين المقلدين للإغريق. وقال عنه "أما أبوليس في روايته "الحمار الذهبي"، فلا يعدو أن يكون روائيا هوائيا بالغ التعقيد شغوفا بكل شيء، وخاصة بالأشياء الفريدة في نوعها قويا مليا وصوفيا في ساعاته، وجماع القول: إنه مربك جدا" ، ومنهم كذلك الدكتور محمد غنيمي هلال عندما نص على تأثر القصة اللاتينية بالقصة اليونانية، وخير من يمثل هذا التأثر قصة "المسوخ" أو "الحمار الذهبي" التي ألفها أبوليس في النصف الثاني من القرن الثاني بعد الميلاد، ولها أصل يوناني مجهول للمؤلف د.
ولقد ذهب الباحث المغربي حميد لحميدانـي نفس المذهب عندما جرد أبوليوس من هويته الأمازيغية، وأدرجه ضمن الأدب الروماني القديم الذي كان يعتمد اللاتينية لغة، وقد أشار إلى أن "لوكسيوس" بطل رواية المسوخ للقصاص اللاتيني "أبوليوس" يفسر ذلك التحول الفانطاستيكي الذي يطرأ على الإنسان فيصير دون طبيعته الإنسانية بالاستسلام للغرائز الحيوانية الدنيا .
ونجد من الذين دافعوا عن أمازيغيته محمد شفيق الذي أدرجه الى جانب المسرحي تيرنيسي آفـر أو تيرنتيـوس آفر (185؟159 ق.م) ضمن أدباء الثقافة الأمازيغية في عهد الوثنية الذين تثاقفوا مع الأدب الإغريقي واللاتيني، ونجد محمد حندايـن الذي اتخذ من أفولاي مثالا للشخصية الأمازيغية القوية في الأدب العالمي القديم الذي تعلم كثيرا من اللغات وألف كتبا عديدة أشهرها روايته "الحمار الذهبي" التي أثر بواسطتها على الرواية العالمية القديمة، وأبهر الرومان والإغريق إلى درجة اتهامهم له بالسحر. ونفس الموقف سيتخذه الكاتب الليبي الدكتور علي فهمي خشيم حينما اعتبر أبوليوس كاتبا إفريقيا أمازيغيا وعروبيا، كان ينتقل بين الجزائر وقرطاج وليبيا، وعد "الحمار الذهبي" أول نص روائي عربي. ويذهب كذلك عباس الجـراري إلى أن التاريخ احتفظ بأسماء غير قليل من الأدباء والفلاسفة وعلماء الدين الذين تخرجوا في هذا التعليم من مختلف أقطار الشمال الإفريقي، وعبروا باللاتينية في الغالب لأنها كانت لغة الفاتح المستعمر، وليس لأن اللغة الوطنية كانت قاصرة كما ذهب إلى ذلك أندريه جوليـان. ويدرج المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليـان المتخصص في تاريخ أفريقيا الشمالية القديمة مبدعنا أبوليوس ضمن أدباء إفريقيا إذ قال "كان أبوليوس المولود حوالي سنة 125م من أشهر الكتاب الأفارقة" .
ويتبين لنا مما سبق، أن هوية أبوليوس جزائرية المولد، وأفريقية المنبت، وأمازيغية الأصل، ولكنها رومانية الجنسية، وإغريقية الثقافة والفكر، وشرقية المعتقد.
2- نشأة أبوليوس:
نشأ لوكيوس أبوليوس أو أبوليوس الماضوري في أسرة أرستقراطية في مدينة مـداوروش بالجزائر قرب سوق هراس سنة 125م. إذ كان أبوه أحد الحاكمين الاثنين في أوائل القرن الثاني في هذه المنطقة، وكان أبوليوس أشهر كتاب وشعراء هذا العهد.
لقد درس هذا الأديب الأمازيغي الأصل بقرطاج، حيث أخذ من كل الفنون بطرف، وكانت هذه المدينة الإفريقية عاصمة فكرية وسياسية في آن معا، ونبغ فيها هذا الأديب، وتخصص في المسرح ونبغ فيه إذ كان القرطاجيون يهتفون به في المسرح، وكان يقول لهم: "إني لا أرى في مدينتكم إلا رجالا كرعوا من مناهل الثقافة، وتبحروا في جميع العلوم: أخذوا العلم صغارا، وتحلوا به شبانا ودرسوه شيوخا، إن قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتنا، وهي عروس الشعر في إفريقية، وهي أخيرا، ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة" . وقد تابع أبوليوس دراساته العليا في اليونان (أثينا) وإيطاليا وآسيا الصغرى، ولقد أعجب بالفلسفة السوفسطائية، والفلسفة الأفلاطونية المحدثة، والفلسفات ذات الطبيعة الصوفية الروحانية التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية سعيدة .
وبعد عودته إلى بلده، اتهم هناك بممارسة السحر، فدافع عن نفسه بصلابة، وألف في الموضوع كتابا عنوانه: "في السحرMagicae." وسبب هذه التهمة أنه صادف أثناء إقامته في طرابلس أن وقع في مغامرة غريبة، "ذلك أنه ما أن تزوج من أم أحد أصدقائه، وكانت إلى ذلك الوقت ممتنعة امتناعا شديدا من التزوج ثانية، حتى اتهم بأنه سحرها، وقد أخذ أحد المحامين على نفسه، أن يقيم الدليل على أن يدافع عن نفسه دفاعا رائعا. لم يكن كله مقتنعا وأنحى على خصومه باللائمة، لأنهم خلطوا بين الفلسفة والسحر، وقد حرر خطابه بعد ذلك في صيغة إيجابية، فأصبح يعرف بالأبولوجيا .
ولم تعق هذه التهمة مسيرته الفكرية، إذ سرعان ما توجه إلى قرطاج لممارسة العلم وتلقين الدروس لطلبة الثقافة والأدب، فأصبح قبلة الأنظار في هذه المدينة، والمحاضر المحبوب الذي يعالج جميع المواضيع وخاصة الفلسفية منها .
وعليه، فلقد نعت أبوليوس بمواصفات عدة، إذ كان غريب الأطوار وكثير المتناقضات فهو جدي وطائش ومتطير وشاك ومعجب بنفسه، وكان يدافع عن "المستضعفين" كثيرا.
3- مؤلفات أبوليوس:
كان أبوليوس كاتبا مرموقا في عصره بين أدباء الثقافة العالمية، إذ نافس اللاتينيين والرومانيين واليونانيين على الرغم من تأثره بهم خلقا وتناصا ولاسيما في روايته الفانطاستيكية التي ألفها في أحد عشر جزءا، وبها وضعه تاريخ الفكر في مصاف كبار الكتاب العالميين الخالدين في كتابه ذاك الذي يسمى "التقمصات أو الحمار الذهبي، علاوة على كونه مسرحيا وشاعرا كبيرا خاصة في ديوانه (الأزاهير) ، وهو عبارة عن مقتطفات شعرية ألقاها في قرطاج وقد ترجمها إلى اللغة العربية الدكتور فهمي خشيم. ويضم هذا الديوان ثلاثا وعشرين قطعة من خطاباته تتفاوت طولا وقصرا، جمعها أحد المعجبين به "كباقة" جمعت أجمل زهور بلاغته، وكان يتبجح فيها بأنه يتقن الفنون على اختلافها، وكان يتوجه لمساعد القنصل في شيء من الخيلاء البريئة قائلا: "أعترف بأني أوثر من بين الآلات شق القصب البسيط، أنظم به القصائد في جميع الأغراض الملائمة لروح الملحمة، أو فيض الوجدان، لمرح الملهاة أو جلال المأساة، وكذلك لا أقصر لا في الهجاء ولا في الأحاجي ولا أعجز عن مختلف الروايات، والخطب يثني عليها البلغاء، والحوارات يتذوقها الفلاسفة. ثم ماذا بعد هذا كله؟ إني أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم باللاتينية بنفس الأمل ونفس الحماس ونفس الأسلوب" .
وقد أطلقت على روايته الغرائبية (الحمار الذهبي) تسميات عدة من بينها: المسوخ ، وقصة المسخ كما عند حميد لحمداني، أو "الحمار الذهبي" (أو التحولات) كما عند عمار الجلاصي، أو الحمار الذهبي فحسب كما لدى أبو العيد دودو، أو "تحولات الجحش الذهبي" كما عند فهمي علي خشيم. وأسميها – شخصيا- رواية "الحمار الوردي"، لأن كلمة الورد أو الوردي تتكرر مرارا في متن الرواية، إذ وصف لوكيوس بأنه وردي البشرة، ووصفت حبيبته بأنها وردية اليد، والأكثر من ذلك أنه كان يحلم بالورد طيلة فترة تحوله، ويفر كلما رأى الورد أو ما يشبه الورد لأنه يجسم الخلاص بالنسبة إليه. وهناك من ترجم هذه الرواية عن اللاتينية كعمار جلاصي وأبو العيد دودو، وهناك من ترجمها عن الإنجليزية كعلي فهمي خشيم.
ومن كتبه الأخرى "دفاع صبراتة" الذي ترجمه الدكتور فهمي علي خشيم، و"في السحر"، وكتاب "شيطان سقراط" وهو عبارة عن كوميديا ساخرة تختلط فيها الفلسفة بالسخرية، وقد شرع الكاتب الليبي فهمي علي خشيم في ترجمته إلى اللغة العربية.
لقراءة المزيد عن هذه الرواية تصفح المصدر على الرابط التالى
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article8866