Thursday, May 10, 2007

مختار الصحاح وجهود محمود خاطر وحمزة فتح الله المنسية

صلاح الزامل

الكتاب الفريد اللغوي الشهير الصحاح سفر شاغل اللغويين ومالئ عالم العلماء والباحثين ومن لهم أدنى اهتمام باللغة العربية الخالدة والسبب في خلود هذا الكتاب النفيس في قائمة المكتبة العربية لأن مؤلفه الإمام اسماعيل الجوهري ت 393ه رحمه الله تعالى قد ارتسم خطة في كتابه الصحاح لم يسبق إليها وأبدع منهجاً جعل العلماء في عصره وبعد عصره يتبعون خطواته وقد احصى مقدما الصحاح عدد العلماء الذين شغلوا بهذا الكتاب تهذيباً وتصحيحاً ومختصراً قرابة 109علماء فهذا إن دل فإنما يدل على تربع هذا السفر الثمين من بين سائر المؤلفات في اللغة العربية ولاشك انه يعد من أجود المعاجم وأنفعها للباحث وتعداد المواد في هذا المعجم أربعين الف مادة لغوية وقد طبع هذا المعجم في ستة اجزاء بتحقيق الأديب العالم أحمد عبدالغفور عطار ت 411ه رحمه الله تعالى سنة 1371ه بالقاهرة وقد اثنى العلماء والأدباء ثناءً عاطراً فقد قال الأديب الشهير ابو منصور الثعالبي ت 429ه رحمه الله تعالى في اليتيمة في ترجمة الجوهري.. وله كتاب الصحاح في اللغة وهو أحسن من الجمهرة وأوقع من تهذيب اللغة وأقرب متناً ولا من مجمل اللغة. وقال ياقوت الحموي ت 626ه رحمه الله تعالى كتاب الصحاح في الل
غة وهذا الكتاب هو الذي بأيدي الناس وعليه اعتمادهم أحسن تصنيفه وجود تأليفه وقرّب متناوله وأبر في تركيبه على من تقدمه يدل على وضعه قريحة سالمة ونفس عالمة وذكره ايضاً محمد بن الطيب الشركي وعده جملة من مزاياه التي استحق بها طيب المديح ونباهة الذكر حسبما نقله عنه الإمام اللغوي شيخ العربية المرتضى الزبيدي ت 1205ه رحمه الله تعالى في مقدمة التاج اذا قال: قال شيخنا: وقد مدحه غير واحد من الأفاضل ووصفوا كتابه بالإجادة لالتزامه الصحيح وسطه الكلام وإيراد الشواهد على ذلك ونقله كلام أهل الفن دون تصرف فيه وغير ذلك من المحاسن التي لا تحصى. وقد رزقه الله تعالى شهرة فاق بها كل من تقدمه او تأخر عنه ولم يصل شيء من المصنفات اللغوية في كثرة التداول والاعتماد على ما فيه ما وصل اليه الصحاح(1).
وكان الوراقون والخطاطون مولعين بانساخه وممن كان يعني بكتبه الخطاط الشهير أمين الدين ابو الدر ياقوت بن عبدالله الموصلي المعروف بالملكي والمتوفى سنة 618ه جاء في ترجمته عند ابن خلكان.. وكان مغرى بنسخ الصحاح للجوهري فكتب منه نسخاً كثيرة كل نسخة في مجلد واحد رأيت منها عدة نسخ وكل نسخة تباع بمائة دينار ومن هذه النسخ واحدة كانت بالخزانة الأزبكية بمصر(2) ومن اشهر المختصرات التي شرقت وغربت في ارجاء الوطن العربي الكتاب الموسوم "مختار الصحاح" لمؤلفه الإمام زين الدين ابي عبدالله المتوفى سنة 66ه رحمه الله تعالى يقول: في مقدمته للكتابة القيم: هذا مختصر في علم اللغة جمعته من كتاب الصحاح للإمام العالم العلامة ابي نصر اسماعيل بن حماد الجوهري رحمه الله لما رأيته احسن اصول اللغة ترتيباً وأوفرها تهذيباً وأسهلها تناولاً وأكثرها تداولاً وسميته مختار الصحاح واقتصرت فيه على ما لابد لكل عالم فقيه أو حافظ أو محدّث أو أديب من معرفته وحفظه لكثرة استعماله وجريانه على الألسن مما هو الأهم فالأهم خصوصاً الفاظ القرآن العزيز والأحاديث النبوية واجتنبت فيه عويص اللغة وغريبها طلباً للاختصار وتسهيلاً للحفظ وضممت إليه فوائد كثيرة من تهذيب الأزهري
وغيره من أصول اللغة الموثوق بها ومما فتح الله تعالى به علي فكل موضوع مكتوب فيه قلت مائة من الفوائد التي زدتها على الأصل(3).
ثم أخذ الرازي رحمه الله يبين لنا كيفية اختياره للألفاظ في كتابه هذا ومنهجه الذي أعد في هذا المختصر الرائع قائلاً: وكل ما أهمله الجوهري من اوزان مصادر الأفعال الثلاثية التي ذكر أفعالها ومن اوزان الأفعال الثلاثية التي ذكر مصادرها فإني ذكرته بالنص على حركاته أو برده الى واحد من الموازين العشرين التي أذكرها الآن ان شاء الله تعالى... وقد عدد الرازي مصادر الأوزان الثلاثية في ابواب ستة ثم اعقبها بعد ذلك بثلاث قواعد في أوزان الفعل الثلاثية وقد طبع هذا الكتاب لأول مرة ببولاق في مصر سنة 1282ه ثم توالت طباعته على نسق مارئيه الرازي باعتبار آخر كلمة كلمة اقتداء بالجوهري رحمه الله ثم تتابعت طباعته سنة 1287ه وعام 1302ه وعام 1308ه ومع هذا المنهج الذي سلكه الرازي باعتبار آخر الكلمة فقد لاقى قبولاً لا بأس به الا ان الفائدة لجميع الناس من غير المتخصصين قد تكون صعبة وعسيرة فلذلك قام اللغوي الأديب الأستاذ محمود خاطر ت 1363ه رحمه الله تعالى بترتيب هذا المعجم الصغير باعتبار أول الكلمة على نسق المصباح المنير وأساس البلاغة للزمخشري يقول محمود خاطر رحمه الله في مقدمته لمختار الصحاح.. بيد أن الخوض في هذا الكتاب وتناول الغرض منه لا يستط
يعهما إلا من تدبر فن الصرف وأحاط علماً بضروب الاشتقاق ليقتدر على رد بعض الكلم الى بعض ويرجع منها الى صيغة هي أصل الصيغ تدرجاً الى موضعها واستطلاعاً لمغزاها...(4) وهكذا رتّب الأستاذ محمود خاطر هذا المختار باعتبار أول الكلمة ولذا سهل على جميع الناس الفائدة من هذا المعجم وخصوصاً طلبة وتلاميذ المراحل الأولية كالابتدائي والمتوسط وكذلك عامة الناس الذين ليس أي المام او اختصاص باللغة العربية وقد كنت أعتقد في بداية معرفتي بعالم القراءة والكتب ان الذي رتب هذا واختاره هو الرازي نفسه وهذا يعود الى دور النشر التي اعتدت على هذا الجهد وأخفت الصح المرتب وهو خاطر والضابط وهو حمزة فتح الله ت 1336ه رحمه الله وطبعت عشرات الطبعات بدون ذكر هذين الاسمين اجحافاً ونكراناً لهذه الخدمة التي قاما بها هذين الرجلان وسهلا لجميع طبقات الناس ان الواجب ان يذكر هذان الرجلان بالخير وان يشاد بهما في كل مناسبة تطرح فيه مناسبة الحديث يدور فيها عن تاريخ المعاجم العربية والشكر والعرفان لمؤسسة الرسالة التي طبعت الكتاب سنة 1407ه تصويراً على طبعته محمود خاطر وحمزة فتح الله الأولى فهي تشكر على هذا الصنيع وهذا العمل الجميل وترجع الحق إلى أهله وعدم اضاعت
ه ونسيان هذه الجهود في سبيل خدمة لغتنا الخالدة ولكن للأسف الشديد لازالت دور النشر بعضاً منها تغتصب حقوق المؤلفين والباحثين جهاراً عياناً في رابعة النهار دون أي أدب او حياء همها الوحيد الثراء السريع على أي طريقة ووسيلة.. وختاماً فإن لمحمود خاطر رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته عملا لا يقل مكانة وجهداً عن عمله هذا في ترتيب مختار الصحاح وهو ترتيب القاموس على نهج ترتيبه لمختار الصحاح وقدم هذا العمل القدير الى جامعة القاهرة وأذن لها بطبع هذا الكتاب ولكنه لم يطبع هذا الكتاب إلى الآن فيما أعلم ولعل أحد القراء والباحثين يخبرنا اذا كان لديه علم بهذا الكتاب ومصيره فيفيدنا ويفيد طلبة العلم.. وقد قام عالم جليل وأديب فاضل بمثل ما عمل محمود خاطر وهو المفتي الطاهر احمد الزواي ت 1408ه رحمه الله فرتب القاموس في ثلاثة مجلدات وطبع هذا العمل الجليل وأفاد منها طلاب المعرفة والعلم الشرعي.
(1) معجم المعاجم ص217، 218، المؤلف احمد الشرقاوي.
(2) نفس المصدر ص
220(3) مقدمة الرازي في افتتاح كتابه مختار الصحاح
(4) نفس المصدر افتتاح محمود خاطر لمختار الصحاح طبعه مؤسسة الرسالة 1417ه

المصدر جريدة الرياض اليومية

No comments:

Post a Comment

اتفاقية 1970: التنوّع الثقافي قبل الآوان

تعتبر اتفاقية اليونسكو، التي اعتُمدت سنة 1970، أداة قانونية رائدة في مكافحة النهب والاتجار غير المشروع، وقد مهّدت الطريق أمام حق الشعوب في ا...