د. عمرو اسماعيل
jakoushamr@hotmail.com
jakoushamr@ems.org.eg
عندما ينبري البعض منا لمناقشة اسباب تأخرنا وجمودنا الحضاري وارجاع بعض هذه الأسباب الي ثقافة النقل والتلقين وانتصارها علي ثقافة العقل والتفكير نجد ان من يعتقدون,, و لا أدري لماذا,, اننا نهاجم الاسلام ينبرون من منطلق غيرتهم علي الدين في تذكيرنا بأمجاد الاسلام و الاستشهاد بعلماء عهود الازدهار من امثال ابن سينا و الرازي والفارابي ثم نجدهم بعد ذلك يستشهدون بكلام ابن تيمية و الغزالي او يهاجمون بعنف من يأتي علي ذكرهم بأي كلمة انتقاد وكأن سلفنا الصالح هم كائنات خارقة لا يرتكبون الأخطاء وكأن لهم قدسية ليست موجودة في الاسلام لبشر الا للرسل فيما اوحي الله لهم.ولهم اكتب هذه النبذه البسيطة عن ابن سينا وفلسفته هو وزملائه من أعلام عصور الأزدهار الاسلامي لنعرف جميعا ان الكثير من الأفكار التي نأخذها كحقائق هي ابعد ما تكون عن الحقيقة وأن ابن سينا و الرازي كانا علي طرفي نقيض مع الغزالي وابن تيمية وان الانحدار بدأ فعلا عندما انتصرت ثقافة النقل والتلقين علي ثقافة العقل والتفكير.من هو ابن سينا؟ هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، اشتهر بالطب والفلسفة، ولد في قرية (أفشنة) الفارسية سنة 370 هجرية وتوفي في همذان شنة 427 هجريةوفي الواقع فقد تجلت في ابن سينا صفات الفيلسوف والطبيب والفقيه والشاعر . يعرف عند الغرب باسم (Avicenna) .وقد أكب ابن سينا على دراسة الطبيعيات والرياضيات والمنطق وعلوم ما بعد الطبيعة ، وأخذ فن الطب من طبيب مسيحي يدعى عيسى بن يحيى ، وطار صيته في الطب ولما يتجاوز السادسة عشر من عمره ، فحضر الأطباء من كل صوب يأخذون عنه ويتعلمون منه .استهوته الفلسفة فأكب على دراستها وعكف على علم ما بعد الطبيعة وطالع كتاب أرسطو وأفاد من كتاب الفارابي في أغراض ما بعد الطبيعة و الذي شرح فيه علم أرسطو ، وأقام مذهبا فلسفيا في الوحدانية يقترب إلى أقصى حد ممكن من تركيبة تجمع بين الإسلام وتعاليم أفلاطون وأرسطو .أشهر كتبه في الفلسفة (الشفاء) وقد قصد به شفاء النفس من عللها وأخطائها وعالج موضوع النفس بقدر ما عالج موضوع الجسم ، وكتابه (النجاة) وهو مختصر كتابه (الشفاء) ، وأشهر كتبه في الطب كتاب (القانون) وفيه خلاصة فكره الطبي ، شاملا آثار الإغريق والعرب ، وقد ترجم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر للميلاد وطبع ست عشرة مرة في القرن الخامس عشر ، وكان مادة تعليم الطب في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن السابع عشر .أما مصنفاته الأخرى فكثيرة تربو على المائة ومنها كتاب (الإشارات والتنبيهات) ، وكتاب (أسرار الحكمة المشرقية) و (رسالة حي بن يقظان) ، وهي غير رسالة ابن الطفيل المسماة بهذا الاسم ، وكتاب (أسباب حدوث الحروف) ورسائل في الحكمة والطبيعياتوابن سينا محسوب علي المعتزلة والمعتزلة هم اصحاب المنهج العلمي والمنهج العقلي في الاسلام وهم الذين مهدوا الطريق امام ظهور فلاسفة الاسلام وعلمائه من أمثال ابن سينا والرازي والفارابي بقولهم بالسببية .. أي ارتباط النتائج بالأسباب و هذا هو جوهر المنهج العلمي.هذا وقد نشر المعتزلة جوا من العقلانية والحرية الفكرية لا تكاد تبلغه حتي الدول الغربية حاليا وقد ادت هذه الروح العقلانية و التي دعمتها حركة ترجمة علوم الحضارات الأخري الي عصر من التنوير العقلي و الحرية الفكرية سبق عصر النهضة في اوروبا وفي هذا العصر ظهر ابن سينا والملقب بالمعلم الثاني بعد ارسطو.. و بالرغم من الخصومات القوية التي تعرض لها من المتعصبين فأنه ترك بصمات قوية علي عصره والعصور التالية ولا يجد المتعصبون اليوم من يفخرون به في الطب غير ابن سينا و الرازي رغم ان كل ادبياتهم تعتبرهم هم و المعتزلة من الزنادقة هذا ان لم يكفروهم.ومن الأمثلة علي شجاعة ابن سينا الفكرية التي يفتقدها الكثيرون اليوم قوله ان السعادة و الألم في العالم الآخر لهما وجود روحي بحت يتوقف علي مدي استخدام الانسان او عدم استخدامه لقواه الروحية و الذهنية والبدنية من اجل الوصول الي الكمال في حياته الأولي.. وكم تبدو هذه النظرية مخالفة للفكر السلفي عن مادية الجنة والنار والتي حولهما البعض منهم الي فيلم رعب او فيلم بورنو. تخيلوا لو جاهر احد من المسلمين اليوم بما جاهر به ابن سينا منذ اكثر من الف عام عن فكرته عن الجنة والنار .. فماذا يكون مصيره؟ اقل شيء اخراجه من المله لأنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة مما يمهد الطريق الي قتله بدماء بارده علي يد فتي متحمس يعتقد بعمله هذا انه الطريق الي الجنة و حور العين.لقد حلق الأسلام في عصور الأزدهار,, التي يذكرنا بها اليوم انصار ثقافة النقل والتلقين متناقضين بذلك مع انفسهم ,, بسبب الحرية الفكرية و العلمية التي تمتع بها فلاسفة الاسلام وحكمائه و متكلميه.فماذا حدث .. لماذا توقف هذا التقدم و بدأنا الانحدار؟لقد حدث ذلك عندما ماتت حرية الفكر و أغلق المسلمون عقولهم و اصبح التفكير تخريف وجريمة يطارد مرتكبها باشد الاتهامات واللعنات وقد نال البعض ممن يكتبون هنا بعضها.فمن هو المسئول عن موت حرية الفكر وانتهاء عصور الأزدهار في الاسلام؟انه حلف الحكام وفقهاء السلطة الذين انتصروا لثقافة النقل والتلقين وسموا انفسهم اتباع السلف الصالح.. وذلك لأن العقل والتفكير ينتج معارضين لنظم الحكم الظالمة والتي ترتدي ثوب الدين لقهر واستعباد الشعوب وقالوا عن ارسطو ,, يجب تكفيره وتكفير متبعيه من متفلسفة الاسلاميين كابن سينا و الفارابي وامثالهم,, هذا هو راي الغزالي صاحب كتاب احياء علوم الدين في ابن سينا الذي لم نجد من نفخر به في علم الطب الا هو و الرازي لنطلق اسمه علي مستشفياتنا .. منتهي التناقض رغم ان الغزالي لا يعتبر من الغلاة بل من المعتدلين ومحسوب علي الاشاعرة.ليس لدينا مانع من تكفير ارسطو فهو لم يكن مسلما اصلا وقيمته الحضارية لن تنقص في العالم اجمع وستظل باقية اردنا ام لم نرد ولكن ابن سينا والفارابي لم نجد غيرهم لنفخر بهم في مجال الطب والعلم ورغم ذلك كفرهم السلفيون في الماضي ويفخرون بهم حاليا لأنهم لم يقرأوا تراثهم.والواقع ان الخطر الاكبر للسلفيين ليس ما يقولون و يروجون له ولكنه اسلوب التكفير و الارهاب و المصادرة واستعداء السلطات و العامة علي كل من يفكر او يقول رأيا مخالفا .. فاضطر ان يتواري خوفا الكثيرون ممن يستعملون عقولهم او يلجأون الي الرمزية فيما يكتبون.ومن الامثلة التي تبعث علي الاسي والتي لا يعرفها الكثير من المسلمين اليوم والتي تدل علي ما يمكن ان يؤدي اليه التعصب .. هو ان المتعصبين من الحنابلة (سلفية اليوم) ادعو علي ابن جرير الطبري الكفر والالحاد و حاصروه في بيته حتي دفن فيه وكلنا نعرف من هو الطبري المؤرخ و المفسر المشهور وقيمته العلمية.والسلفية يعيبون علي الشيعة غلوهم في حب أئمتهم وقولهم انهم معصومون ويعيبون علي الصوفية غلوهم في حب اولياء الله ولكنهم يمارسون اشد انواع الغلو في تقديس أئمتهم مثل ابن حنبل و ابن تيمية وابن قيم الجوزيه ومثال علي ذلك قولهم من ابغض ابن حنبل فهو كافر واذا حاول احدنا ان يناقش او ينتقد بعض اراء احمد او ابن تيمية لوجد سلاح التكفير جاهزا لكي يشرع في وجهه واستعداء العامة الغيورين علي دينهم بدون بينة عليه ليجد نفسه في النهاية مذبوحا او علي الاقل منبوذا في المجتمع,ولا يسعني في النهاية القول الا ان الاسلام جاء رحمة وهداية للعالمين فجعله الغلاة والمتعصبون عذابا علي المسلمينفانقذنا يارب ممن يدعون التحدث باسمك ظلما و عدوانا اما أعداؤنا فنحن
كفيلون بهم.
المصدر / عرب تايمز
http://www.arabtimes.com
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
اتفاقية 1970: التنوّع الثقافي قبل الآوان
تعتبر اتفاقية اليونسكو، التي اعتُمدت سنة 1970، أداة قانونية رائدة في مكافحة النهب والاتجار غير المشروع، وقد مهّدت الطريق أمام حق الشعوب في ا...
-
1 ـ " المرشد المعين على الضروري من علوم الدين " للشيخ عبد الواحد بن أحمد بن عاشر الأندلسي المتوفي سنة (1040هـ) رحمه الله تعالى. 2 ...
-
محمد الفاتح أراد فتح روما شاءت الأقدار أن يكون السلطان العثماني محمد الفاتح هو صاحب البشارة التي بشّر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ح...
-
1 ـ " مختصر الخرقي " المتوفي سنة (334هـ) رحمه الله تعالى. 2 ـ " عمدة الفقه " لموفق الدين ابن قدامة المتوفي سنة (620هـ) ر...
No comments:
Post a Comment