Wednesday, January 24, 2007

ثورة المعالجات المركزية والحواسيب بالعالم الثالث

م. جميل الخطيب

تصميم وتصنيع معالجات الحواسيب أمر بالغ التعقيد وباهظ الكلفة مما جعله حكرا على حفنة من الشركات العملاقة في الدول الغنية؛ ولكن محاولات دوؤبة من دول من العالم الثالث تشي بأن هذا الاحتكار ربما لا يستمر للأبد.

تعد المعالجات المركزية للحواسيب (CPU) كالأدمغة للإنسان، فهي التي تقوم بالعمليات الحسابية والمنطقية وتحلل النتائج عبر البرامج (software) . كما أنها تتحكم بكل أجزاء الحاسوب مثل الذاكرة والأقراص الصلبة والطابعة وغيرها. وتتكون المعالجات من دوائر الكترونية متخصصة بالعمليات الحسابية وأخرى بالعمليات المنطقية، إضافة إلى دوائر تسمح باستجلاب البرامج المراد تشغيلها من الذاكرة وتنفيذها بالترتيب ومن ثم حفظ النتائج إما على لذاكرة أو على أي مخرج آخر للمعلومات (الشاشة مثلا) حسب أوامر البرنامج. ومن أشهر المعالجات التي تستخدم بالحواسيب هي بنتيوم وسنترينو وأثلون.
والمعالجات ليست محور عمل الحواسيب فحسب؛ فهي العصب الأساسي لأغلب الأجهزة الالكترونية الحالية من أجهزة اتصال واستقبال بث الأقمار الصناعية وحتى أجهزة التلفزيون والألعاب الحاسوبية. ومع تزايد اعتمادنا على الأجهزة الإلكترونية في شتى أوجه حياتنا، تزايدت الحاجة لنوعيات شتى من المعالجات.
وتختلف مواصفات المعالجات حسب التطبيقات التي ستعمل عليها. فمنها ما يركز على سرعة المعالجة كأجهزة القياس والاستشعار (sensors) والألعاب الحاسوبية. ومنها يركز على توفير استخدام الطاقة مثل أجهزة الهواتف الجوالة وكل الأجهزة التي تعتمد على البطاريات.
وتصحب تصميم وتصنيع المعالجات كلفة باهظة؛ فهذه عملية تحتاج لخبرات كبيرة في مجال الإلكترونيات الرقمية وأنظمة بناء الحواسيب، إضافة إلى أن تصنيع رقائقها يحتاج لمصانع تفوق كلفتها ملايين الدولارات لما تستلزمه من عمليات بالغة الدقة لإنتاج مكونات متناهية الصغر (عند مستوى النانومتر، وهو جزء من مليار جزء من المتر) واحتياجها لغرف خاصة تفوق غرف العمليات تعقيما، فأي شوائب أو غبار قد تسبب تلف الرقاقة لكون ذرات الغبار أكبر من حجم الترانزستورات أو أنها قد تقوم بتغير التركيبة الفيزيائية الالكترونية للترانستورات. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى احتكار الدول الغنية والشركات العملاقة لصناعة المعالجات. ومن أهم الشركات العالمية التي تصمم وتصنع المعالجات شركات أية أم دي (AMD) و ميبس (MIPS) و صن (Sun). أما كبرى الشركات وأشهرها على الإطلاق فهي إنتل(Intel) التي تصّمم وتصنّع أجزاء كبيرة منها اسرائيليا وخاصة تلك الاجزاء الخاصة بالوسائط المتعددة (Multimedia) أو معالجة الرسوم والمواد الصوتية.
وبدأت حاليا بعض الدول النامية بالاهتمام بتطوير المعالجات والحواسيب لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتلبية احتياجات تطوير الصناعة والابحاث الوطنية. فقد أعلنت شركة ZhongKe Menglan الصينية عن تصميم حاسوب شخصي مبني على معالج Godson الذي صممته وصنعته شركة BLX الصينية. وسيتراوح سعر الجهاز الواحد بين 175 و200 دولار، وقد يتدنى إلى 125 دولار خلال الاعوام المقبلة. وسيكون في الجهاز ذاكرة بسعة 256 ميجا بايت وقرص صلب من 40 الى 60 جيجا بايت، وله مخرج VGA للشاشة وأربع مخارج USB بالإضافة لوصلة لشبكة حاسوبية محدود (LAN). وسيعتمد الحاسوب على نظام تشغيل Linux المجاني. واستطاعت الشركة إلى الآن بيع 2000 جهاز ويتوقع أن تبيع ما يزيد عن 10000 في الصين وشرق أسيا بالأعوام القادمة.
وجدير بالذكر أن شركة BLX الصينية تأسست عام 2002 بهدف تصميم المعالجات المركزية فأنتجت حينها معالج Godson والذي لم يكن ذا كفاءة عالية لذا كان استخدامه مقصورا على الأجهزة التي لا تحتاج إلى سرعة معالجة فائقة. أما في 2006 فقد طورت النسخة الجديدة من المعالج المصنع بتقنية 0.18 ميكرومتر والذي سيستخدم بالحاسوب الجديد. وبحسب تقارير الشركة فإن سرعة المعالج ستتراوح ما بين 800 ميجا هرتز -1 جيجا هرتز، وستكون كفاءة المعالج تعادل معالج بنتيوم 3 من Intel بحسب ما أوردت الشركة وسيتمكن من تشغيل افلام DVD وبرامج الحاسوب المكتبية.
أما إيران فربما كان الحصار التكنولوجي المفروض عليها منذ سنوات قد شجعها على أن تخطو حثيثا في هذا المضمار. فقد أعلنت شركة Parsé الإيرانية قبل شهرين عن تصميمها لمعالج 32-بت الذي أسمته Aristo. وكانت الشركة التي تأسست عام 2003 قد صممت معالجا مبسطا كأول تجربة لها في بادئ الأمر. وسيكون المعالج الجديد مناسبا لأجهزة الاتصالات مثل (GPS) والتحكم بعمليات التصنيع والذكاء الاصطناعي بحسب ما أوردت الشركة. وقد تعاقدت الشركة مع شركة تايونية لتصنيع المعالج على رقائق بتقنية 0.18 ميكرومتر. كما طورت الشركة رقاقة تحتوي على المعالج Aristo مع بعض الملحقات والدوائر لتيسير استعماله في تطبيقات أكثر تعقيدا وقد أطلقت اسم قصر Tachra الفارسي على الرقاقة.
وتتوافق بنية المعالج الإيراني مع بنية معالجات Sparc المتوفرة تصاميمها مجانا على الإنترنت. حيث تعج الشبكة العنكبوتية بالتصاميم المجانية للمعالجات التي يفوق عددها الستين، والتي تصلح أن تكون حجر الأساس لتطوير معالجات خاصة بالدول النامية ومن ضمنها العربية. وأشهر هذه المعالجات OpenRisc1K ،والذي صممه مجموعة من الطلاب بدولة سلوفينيا عام 2000، وأتاحوا كل المعلومات اللازمة لاستخدامه وتطويرة بل وحتى تصنيعه على الانترنت مجانا للجميع.
أما الهند فقد كانت السباقة بمجال تصميم وتصنيع الحواسيب. فقد اطلقت عام 2000 مشروع Simputer، الذي يهدف لتضييق الفجوة الرقمية عبر تصميم جهاز حاسوب مبسط سهل الاستعمال من قبل الفئات الفقيرة والقليلة الخبرة بالتكنولوجيا. يعتمد السمبيوتر على معالج Strong Arm الأمريكي و32 ميجا بايت من الذاكرة وشاشة صغيرة وهو يشبه أجهزة المفكرة الالكترونية (PDA)، ويصلح للاتصال بالإنترنت وتشغيل الموسيقى. إلا أن هذا المشروع لم يحظ بقبول واسع كما كانت التوقعات.
وفي المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2005 أعلن عن برنامج حاسوب لكل طفل ، بهدف التقليل من الفجوة الرقمية بمساعدة الأطفال في الدول النامية. من المتوقع أن يكون سعر الجهاز الواحد 100 دولار. وتقوم على المشروع الغير ربحي مجموعة من الشركات العالمية مثل أي أم دي (AMD) وردهات(Red Hat) . وكانت بعض الدول قد اعلنت عن نيتها لشراء هذه الأجهزة وتوزيعها على المدارس مثل مصر والصين ونيجيريا.
أما بالعالم العربي وعلى الرغم من أن بعض البلدان العربية مثل تونس ومصر والسعودية قد شهدت تطورا كبيرا بمجالات التكنولوجيا إلا أن صناعة الالكترونيات ليست متطورة بالشكل الكافي، وذلك لعدم الاستثمار بهذا المجال والاعتماد على الاستيراد للتقنيات الحديثة.
ولكن ثمة محاولات لتصميم حواسيب عربية تعتمد على التصاميم الحرة والمجانية المتوفرة على الانترنت التي سبق ذكرها، وذلك مثل مشروع "أفق" الذي ترعاه جمعية هندسة عربية الغير ربحية، لتصميم حاسوب مبسط مبني على الرقائق القابلة للبرمجة (FPGA)، وذلك من خلال تبني طريقة التصميم عبر الانترنت بمشاركة من الجامعات العربية. غير أن المشروع لا يزال يبحث عن مشاركين من طلاب الهندسة ودعم من الخبراء العرب.

المصادر:


China's BLX unveils 64-bit processor
China readies low-cost PC based on its Godson CPU
Iran develops 32-bit processor
$100 laptop requires low-cost displays, says OLPC CTO
Godson CPU
Parsemi
laptop.org

No comments:

Post a Comment

اتفاقية 1970: التنوّع الثقافي قبل الآوان

تعتبر اتفاقية اليونسكو، التي اعتُمدت سنة 1970، أداة قانونية رائدة في مكافحة النهب والاتجار غير المشروع، وقد مهّدت الطريق أمام حق الشعوب في ا...